إنك إذا نظرت إلى أدبهم مع معلمهم صلى الله عليه وسلم رأيت أدبا جماّ ، فقد روى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : " ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجلّ في عيني منه ،وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه " .
وإذا نظرت إلى معاملة بعضهم بعضا ، رأيت أمة بارعة الخلق ، قوية البنيان ، كما حصل للأنصار عندما هاجر إليهم المهاجرون من مكة ، فقد استقبلوهم استقبالا لم تعرف الدنيا مثله قطّ ، ووصلت بهم أخلاقهم في السخاء والإخاء إلى مستوى اقتسام الفراش والمال مع الأخ المسلم ن روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : " لما قدموا المدينة ، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ، قال لعبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالا ، فأقسم مالي نصفين ، ولي امرأتان ، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها ، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها ، قال : بارك الله لك في أهلك ومالك ، أين سوقكم ؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع ... "
هذا خلق أولئك ، فالأنصاري يؤثر أخاه على نفسه بأنفس ما يملك مما يقتتل عليه الناس عادة : المرأة والمال ، والمهاجريّ لا يستغل عاطفة أخيه تجاهه لابتزاز ماله وأهله والعيش عالة عليه ، فانظر إلى أيهما شئت يرجع إليك البصر حائرا متعجبا من هذا المستوى الخلق العظيم الذي وصل إليه ذاك المجتمع الأميّ ! فهل وجدت شيئا من هذا عند ذوي الحضارات والثقافات ؟! ألا ، فإنك لو جمعت حسناتها الخلقية كلها ، فلن تبلغ هذه القصة وحدها !
وإذا نظرت إلى معاملة أولئك الأمييين للضيف الغريب ، جزمت بأنهم لا يريدون إلا وجه الله ، وليس لهم في الدنيا أرب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث إلى نسائه ، فقلن : ما معنا إلا الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يضمّ أو يضيف هذا ؟ فقال رجل من الانصار : أنا ! فانطلق به إلى امرأته ، فقال : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ما عندنا إلا قوت صبياني !فقال : هيئي طعامك ، وأصبحي سراجك ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً ، فهيأت طعامها ، وأصبحت سراجها ، ونوّمت صبيانها ، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته ، فجعلا يريانه أنهما يأكلان ، فباتا طاويين ، فلما أصبح ، غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما !!فأنزل الله : °(( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) ـ الحشر 9 ـ متفق عليه .
إن القلم ليعجز عن كتابة هذه القصّة ، فضلا عن التعليق عليها ؛ لا من جهة كرم الرجل ، ولا من جهة صلاح المرأة الطاّئعة لزوجها ، وقارنها مع أفضل امرأة من أوربا شئت ، ولا من جهة إيثارهما ، ولا من جهة وفائهما لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعجب من ذلك أن الله عجب من هذا الخلق العظيم !!ألا تعجبون ـ معشر المخدوعين بأخلاق الكفّار ! مما عجب منه الله عزّ وجلّ ؟ لقد كنت أنقل هذه الأمثلة المباركة وجسمي كله قشعريرة ؛ حياءً ممّا فيها ، ولولا الإسناد الصحيح لكان للمكذّب بها عذر مقبول !
فهذه تربية النبي الأمي صلى الله عليه وسلم لأولئك الأميين رضي الله عنهم ، فإن قال قائل : إنهم تخلّقوا بتلك الأخلاق بعد أن نزل القرآن ، والقرآن علم ، قلنا : إذا فقد وصلوا إلى هذا الخلق الطيّب بسبب القرآن ، لا الثقافات العالمية ، فعاد الأمر إلى أن التدين الصحيح هو الذي يربي الناس حق التربية ، فبهذا يلغى قولهم : إن الجهل بالعلوم الحضارية هو سبب النكسات الخلقية ، بل يقال : إن الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الكفيل بكل خلق جميل ، وإذا كان لدى الأمم الأخرى أخلاق ولا بدّ ، ففي هذا الدين أكملها ، وأما العلوم الحضارية فنفعها مشروط بالدين الصحيح والخلق الفاضل .
المصدر : رفع الذّل والصّغار عن المفتونين بخلق الكفار ـ للشيخ عبد المالك رمضاني حفظه الله ـ بسم الله الرحمن الرحيم
إنك إذا نظرت إلى أدبهم مع معلمهم صلى الله عليه وسلم رأيت أدبا جماّ ، فقد روى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : " ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجلّ في عيني منه ،وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه " .
وإذا نظرت إلى معاملة بعضهم بعضا ، رأيت أمة بارعة الخلق ، قوية البنيان ، كما حصل للأنصار عندما هاجر إليهم المهاجرون من مكة ، فقد استقبلوهم استقبالا لم تعرف الدنيا مثله قطّ ، ووصلت بهم أخلاقهم في السخاء والإخاء إلى مستوى اقتسام الفراش والمال مع الأخ المسلم ن روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : " لما قدموا المدينة ، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ، قال لعبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالا ، فأقسم مالي نصفين ، ولي امرأتان ، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها ، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها ، قال : بارك الله لك في أهلك ومالك ، أين سوقكم ؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع ... "
هذا خلق أولئك ، فالأنصاري يؤثر أخاه على نفسه بأنفس ما يملك مما يقتتل عليه الناس عادة : المرأة والمال ، والمهاجريّ لا يستغل عاطفة أخيه تجاهه لابتزاز ماله وأهله والعيش عالة عليه ، فانظر إلى أيهما شئت يرجع إليك البصر حائرا متعجبا من هذا المستوى الخلق العظيم الذي وصل إليه ذاك المجتمع الأميّ ! فهل وجدت شيئا من هذا عند ذوي الحضارات والثقافات ؟! ألا ، فإنك لو جمعت حسناتها الخلقية كلها ، فلن تبلغ هذه القصة وحدها !
وإذا نظرت إلى معاملة أولئك الأمييين للضيف الغريب ، جزمت بأنهم لا يريدون إلا وجه الله ، وليس لهم في الدنيا أرب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث إلى نسائه ، فقلن : ما معنا إلا الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يضمّ أو يضيف هذا ؟ فقال رجل من الانصار : أنا ! فانطلق به إلى امرأته ، فقال : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ما عندنا إلا قوت صبياني !فقال : هيئي طعامك ، وأصبحي سراجك ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً ، فهيأت طعامها ، وأصبحت سراجها ، ونوّمت صبيانها ، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته ، فجعلا يريانه أنهما يأكلان ، فباتا طاويين ، فلما أصبح ، غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما !!فأنزل الله : °(( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) ـ الحشر 9 ـ متفق عليه .
إن القلم ليعجز عن كتابة هذه القصّة ، فضلا عن التعليق عليها ؛ لا من جهة كرم الرجل ، ولا من جهة صلاح المرأة الطاّئعة لزوجها ، وقارنها مع أفضل امرأة من أوربا شئت ، ولا من جهة إيثارهما ، ولا من جهة وفائهما لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعجب من ذلك أن الله عجب من هذا الخلق العظيم !!ألا تعجبون ـ معشر المخدوعين بأخلاق الكفّار ! مما عجب منه الله عزّ وجلّ ؟ لقد كنت أنقل هذه الأمثلة المباركة وجسمي كله قشعريرة ؛ حياءً ممّا فيها ، ولولا الإسناد الصحيح لكان للمكذّب بها عذر مقبول !
فهذه تربية النبي الأمي صلى الله عليه وسلم لأولئك الأميين رضي الله عنهم ، فإن قال قائل : إنهم تخلّقوا بتلك الأخلاق بعد أن نزل القرآن ، والقرآن علم ، قلنا : إذا فقد وصلوا إلى هذا الخلق الطيّب بسبب القرآن ، لا الثقافات العالمية ، فعاد الأمر إلى أن التدين الصحيح هو الذي يربي الناس حق التربية ، فبهذا يلغى قولهم : إن الجهل بالعلوم الحضارية هو سبب النكسات الخلقية ، بل يقال : إن الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الكفيل بكل خلق جميل ، وإذا كان لدى الأمم الأخرى أخلاق ولا بدّ ، ففي هذا الدين أكملها ، وأما العلوم الحضارية فنفعها مشروط بالدين الصحيح والخلق الفاضل .